قريت موضوع ودي بآراآكم وتعلقاتكم
لم أستطع فهم مسببات موضوعية لهذه الضجة التي أثيرت ومازالت مثارة حول القرار الذي نكص عنه بتأجيل تنفيذه، والخاص بقصر العمل في المحلات التي تبيع المستلزمات النسوية الصرفة على بائعات إناث بدلا من البائعين الرجال، وتساءلت: ما المشكلة في قرار هكذا؟ الحقيقة أن ليست هناك مشكلة جوهرية، بل المشكلة تعود في تصوري إلى ولهنا الدائم في أن نجعل من الحبة قبة، وذلك بإشغال أنفسنا أحيانا كثيرة بجدل بيزنطي لا طائل من ورائه حول مسائل لا تحتمل مثل هذا الضجيج الذي يثار.
القضية ببساطة شديدة أن هناك محلات متخصصة في بيع مستلزمات نسائية وخاصة الملابس الداخلية للنساء، وحتى هذه اللحظة مَن يقوم بعملية البيع هم رجال، وكثير منهم وبكل أسف تجدهم يهتمون بمظهرهم، وبقدر مبالغ فيه وبشكل لافت للنظر، ولم لا وزبائن هذه المحلات من الجنس اللطيف، واللبيب بالإشارة يفهم. وهذا كان دائما محل حرج لكثير من النساء، كما أنه محل ريبة وملاحظة سلبية بالطبع. ولذلك وحين صدر القرار بتأنيث العمل بهذه المحلات، أي بتوظيف نساء وفتيات للقيام بالبيع بدلا من الرجال، أظنه كان تصحيحا لوضع خاطئ غفلنا عنه كل هذه السنوات، بحيث أصبح استمراره وبقاؤه على ما هو عليه يتعارض تعارضا صارخا مع قيمنا الدينية والاجتماعية. فكيف يقبل أن تدخل الزوجة والابنة والأخت إلى محل من هذه المحلات لكي تطلب من بائع رجل ألبسة داخلية وتضطر لكي تأخذ وتعطي معه حول المقاسات المناسبة والنوعية والألوان والأحجام دون أن يكون في ذلك خدش لحيائهن؟
في تصوري أن قرار نسونة المحلات النسائية بقصر مَن يقوم بالبيع للنساء فيها نساء مثلهن هو قرار منطقي جدا، وأستغرب كيف أن مَن عارضه أو اعترض عليه فاتته إيجابياته التي تفوق وبالتأكيد سلبياته إن وجدت، فمن عارض هو كمن نظر إلى النصف الفارغ من الكوب ولم ينظر إلى نصفه الممتلئ، أي أنه بني اعتراضه على افتراضات قد تكون صحيحة. إلا أن ما يقلل من قيمتها ما يحققه هذا القرار من مصلحة عامة، وإذا وجدت في مثل هذا القرار سليبات، وسوف توجد بلا شك، فيمكن معالجتها بالتنظيم الجيد والانضباط العملي. والنتيجة إن إيجابيات توظيف فتيات ونساء كبائعات بدلا من الرجال في مثل هذه المحلات أكبر وأهم من أي سلبية يمكن أن تظهر.
لب المشكلة التي أثارت كل هذا الجدل العقيم، والذي أدى إلى إيقاف نفاذ القرار، تعود أساسا إلى ما يمكن أن أسميه "فوبيا" الاختلاط المتكلسة في عقولنا، ويبرز أثر هذه الفوبيا في تشوش مفهومنا حول تحديد الاختلاط المرفوض من الاختلاط الطبيعي، والذي تفرضه ضروريات الحياة، هو في إغفالنا للوجه الآخر من هذه المسألة، فمن تخوف من أن هذا القرار سوف يقود إلى اختلاط البائعات مع أرباب العمل وربما مع العاملين الآخرين، غفل عن اختلاط أكثر ضررا حين تحتك المرأة بالبائع الرجل وتتحدث معه حول ملابس داخلية، فأيهما مما يدخل في الاختلاط المرفوض والمكروه؟ وأيهما أشد خدشا للحياء هذا الاختلاط أم ذاك؟ الجواب واضح جدا، ولكن الإشكالية هي في مفهومنا الخاطئ للاختلاط. وقياسا على ذلك لا أعلم ما الذي أجاز وحلل عمل المرأة في المستشفيات كموظفات يتعاملن مع المراجعين الرجال ويعملن مع آخرين مثلا ولا يعتبر ذلك من الاختلاط الممنوع والضار؟ ويرفض توظيف نساء كبائعات لنساء في محلات لا تبيع إلا مستلزمات نسوية على اعتباره اختلاطا مضرا؟!!
الجانب الآخر الإيجابي في هذا القرار والذي أوقف بكل أسف هو فيما يوفره من فرص عمل لكم كبير من فتياتنا ونسائنا، ولا أظن أن هناك مجال عمل أنسب للمرأة من أن تكون بائعة في محل نسائي لا تتعامل فيه إلا مع نساء من بنات جنسها، خصوصا أننا نعلم أن نسبة البطالة بين النساء تفوق نسبتها بين الرجال، وفتح المجال لعمل المرأة في هذه المحلات النسائية سوف يسهم في تقليص هذه النسبة، إضافة إلى أنه سوف يفتح المجال للنساء للعمل والمتاجرة في مجال خاص بهن. وهذا يحقق المصلحة من كل جوانبها، مع التأكيد هنا بأن بعض وجهات النظر التي اعترضت على القرار جاء اعتراضها حرصا على المرأة وحماية لها من النتائج السلبية لخروج المرأة للعمل. وهو أمر يجب أن نتفهمه بكل تأكيد ولكن دون أن يصبح معيقا تجاه مسألة مهمة مثل هذه تحل أكثر من إشكالية، وعلى رأسها سلبية تعامل المرأة مع رجل لشراء مستلزماتها النسوية. وهو ما يجعلنا نأسف فعلا من تأجيل القرار إلى أجل غير محدد، أي بعبارة أخرى إلغائه ولا أدري كيف لم يستطع الوزير الذرب والمتمكن الدكتور غازي القصيبي عدم المنافحة من أجل تنفيذه بالإقناع والثبات؟